26‏/07‏/2011

كار حشيشة

كان المستقرون من أبناء المطوية في العاصمة يرسلون إلى أهاليهم في القرية الأموال نقدا ومختلف الحاجيات الأخرى بواسطة الحافلة التي يطلقون عليها اسم " كار حشيشة " نسبة إلى لقب سائق أول حافلة دخلت المطوية . وكانت سفرات الحافلة يومية وهو ما جعلهم يكلفون أحدهم بمهمة " الأمين " وهي مهمة يقتضي الاضطلاع بها الانتقال بين مسقط الرأس المطوية والعاصمة لإيصال الأمانات.

وإذا تجمع الأطفال والنساء في " المنشر " حيث تنتصب المحطة بعد الواحدة زوالا فإنهم ينتظرون قدوم الحافلة من العاصمة فمنهم من يرتقب أحد الأقرباء ومنهم من ينتظر هدية أو رسالة من الأب أو من الزوج والكل يكونون في شوق لوصول " كار حشيشة " لعلها تأتيهم بما جاؤوا من اجله. وما إن يسمعوا صوت منبه الحافلة حتى يندفع الأطفال صائحين وتتوقف "الكار" ليترجل الركاب وينزل "الأمين" الأمتعة التي أوكل إليه أصحابها توزيعها على ذويهم وتختلط التحية بشتى الأسئلة حول الصحة وظروف العمل والإقامة والأهل والغابة. ويحلق الجميع حول "الأمين " ليسلمهم ما اؤتمن عليه فإن لم يتمكن من توزيع كل " الصرر " في ذلك اليوم تحفظ البقية لدى الحاج خليفة بالطيب الذي يتولى تسليمها بنفسه إلى أصحابها في الأيام الموالية ويكون على كل " صرة " اسم المرسل إليه. ولا يقضي " الأمين " أكثر من ليلة واحدة سواء في المطوية أو في تونس العاصمة فهو يغادر القرية اليوم ليعود إليها من الغد. ومن أطرف ما ذكره لنا السيد عبد العزيز الحاج سالم عن أبيه أن هذا الأخير تجمع لديه مبلغ مالي قدره ألف دينار فإلتجأ إلى خياطة ٌ قشابيته ٌ واضعا المبلغ بين أجزائها لتجنب لفت نظر الطامعين.

وعلى غرار مهمة ٌ الأمين ٌ بالحافلة تولى المرحوم المبروك حاج عبدالله القيام بالمهمة نفسها على متن القطار.ونظرا لبعد المسافة الفاصلة بين المطوية ومحطة القطارات بالعوينات كان يستعمل الكريطة المدفوعة لنقل الأمتعة وتوزيعها على أصحابها.

ولا تتوقف أمانة " المطاوة " على البضائع فحسب بل تتجاوزها إلى الحريم في السفر فإن كانت بين المسافرين نسوة يلقين الاحترام والتبجيل من قبل الجميع و إذا تعذر على إحداهن معرفة عنوان ما فلا

يتردد أي مطوي في مساعدتها .


بقلم: البشير التيجاني الرقيقي

22‏/07‏/2011

عادة المطوية في الختان

قبل موعد الطهور بيومين تحنّي أم المطهر والقريبات من العائلة وغالبا ما تكون الحنة حنة "الشبور "وهي عبارة عن نقيشة متعددة الأشكال في اليدين والقدمين .
وبعد يوم آخر تشرع أم المطهر التي ترتدي ٌ حرام طبال ٌ وهو أزرق مخطط بالأحمر وبعض قريباتها من النساء في "العرضه "وهي إعلام الأقارب والجيران باستدعائهم لحضور ليله الصلاة على النبي ويوم الطهور.
والليلة السابقة لنهار الطهور تسمى ليلة " الصلاة على النبي " التي تنطلق اثر صلاة العشاء وتفتح بتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم ثم يشرع المنشدون في ترديد المدائح والأذكار النبوية ويتخللها سرد " المولدية " التي تتمثل في ذكر مراحل حياة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام منذ حمل أمه آمنة به.
وبين الحين والآخر توزع كؤوس الشاي على الحاضرين وتختم ليلة الصلاة على النبي بالدعاء وقراءة الفاتحة مع الملاحظة أن المنشدين لا يأخذون أجرا على ما قدموه كما أن ترديد الأذكار يكون جماعيا بمشاركة كافة الحاضرين.
وخلال هذه الليلة تقام حنة المطهر ومن الغد صباحا يتم إعداد العصيدة كفطور لأهل الدار والضيوف كما تذبح شاة أو أكثر حسب إمكانيات عائلة المطهر لإعداد الكسكسي أو ما يعرف بكسكسي الطهور.
وعند الظهيرة تكون حجامة المطهر وعل إثرها وبعد الإغتسال يرتدي المطهر سروالا أبيض عربي وجبة بيضاء وريحانة ( قطعة من الذهب لتطيير العين والنفس كما يعتقدون ) وعلى رأسه شاشية حمراء بالكبيطة .هذا وتلبس أم المطهر ملحفة بيضاء مطرزة بالحرير وقرن على الرأس إضافة إلى ما تتزين به من حلي .وفي هذا اليوم منهم من يجلب الطبال والزكار ومنهم من يستغني عنهما ويقتصر على زغاريد النسوة وأهازيجهن . وعند موعد الطهور وتحديدا بعد صلاة العصر تخصص حجرة خاصة أو في السقيفة تعد قصعة لوح تكب على فتحتها ويوضع فوقها قليل من الرمل الدافئ.
ويأتي الطهار يتهادى بقفة أدوات الصنعة وهو محاط بأهل المطهر وأقربائه من الرجال وعندما يأخذ الطهار مكانه يجلب المطهر وفي حجرة أخرى تجلس أم المطهر والقريبات من النسوة وقد وضعت أم المطهر قدميها في إناء ماء به "دبلج" والغاية نفسية بحتة بإعتبار أن الماء يرخي الأعصاب وبالتالي عند تأثر الأم بصراخ ابنها أثناء عملية الختان يكون أقل تأثرا كما أن تعالي الزغاريد وتمازجها مع احتراق البخور في المجامر من ِشأنه أن يقلل من حدة ارتفاع صراخ المطهر وللشباب والكهول دور في هذا المجال.
وبعد تجريد المطهر من ثيابه إلا من صدرية وسورية يحكم بالأيدي من الخلف شد المطهر جالسا على القصعة ومن الأمام يثبت بإمساك رجليه حتى يقوم الطهار بعمله على أحسن ما يرام وعادة ما يستعمل الطهار حيلة لمباغتة المطهر فمثلا يأمره بالنظر إلى فوق لمشاهدة عصفور يحلق في الهواء عندها يفاجئه بالطهارة ويصيح أحدهم : صلوا على النبي .
وحتى لا تتفطن أم المطهر إلى صياح ابنها يشرع الحاضرون في ترديد بعض الأغاني بصوت عال :
طهر يا امطهر صح الله ايديك
لاتوجع اوليدي لانغضب عليك
فرشنا الحصير وغربلنا التراب
حضرنا محمد والشيطان غاب
وقد يضع الطهار قليلا من السمن القديم على مكان الجرح.وبعد عملية الطهارة يغطى المطهر ببشكير ويحمله أحد أقاربه وعادة خاله ويضعه في حجر أمه ويغطى ٌبحرام ٌ ويناوله خاله النحيلة فرنك أو فرنكين ويتبعه الحاضرون بالنحيلة أيضا وكل قدير وقدرو.ويتناول الجميع الكسكسي باللحم ويتم إرسال بعض من الطعام إلى الجيران والأقارب كما يمنح الطهار دبوس لحم وعدد من حبات البيض .أما نحيلة النساء فتكون حلوى أو بيض أو بخور.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الأسر تستغل إقامة حفل زفاف للقيام بحفل الختان وعادة ما يكون مساء ليلة الدخول بالنسبة لأهل العريس أو خلال يوم المنبر بالنسبة لأهل العروس.
بقلم: البشير التيجاني الرقيقي

21‏/07‏/2011

بوسكينة

لم يجد المستعمر الفرنسي الإطمئنان لدى أهالي المطوية وهو ما جعل باب الإستقرار موصدا أمامه في القرية التي يعتبرها مقرا غير آمن. وما دام الأهالي عازمين على التصدي والمواجهة ونبذ الإستسلام فالقوات الفرنسية بدورها لم تتراجع عن محاصرة القرية من حين لآخر لاستفزاز متساكنيها وبث الرعب والرهبة في نفوسهم وما تجنح إليه من استعمال أساليب قمعية لم تؤت أكلها كما كان يتصوره الفرنسيون، هذه السياسة التعسفية لم تفلح في إخماد نار التحدي والعصيان لدى المطاوى ولتنظيف القرية من المقاومين التجأت إلى الإعتقالات الغير المبررة التي لم تزد الأهالي إلا إصرارا على تحدي قوة الحديد والنار.

والمستعمر باعتباره دخيلا على هذا الوطن يمكنك التعرف عليه بسهولة فهو ظاهر للعيان ومكشوف، أما ابن بلدك الذي يخونك ويغدر بوطنه فيصعب التعرف عليه في الوقت المناسب لكن إن كنت وطنيا وتمكنت من العثور عليه فنهايته ستكون على يديك لا محالة وبما أن كل حركة تحريرية لا تخلو في نضالها من خونة يخدمون مصالح أعدائها فقد ظهر بالمطوية خائنان وقد وقعت حادثتاهما بين 1885م و 1888م .

الخائن الأول من أصل مطوي انقطع في الجزائر وتربى بها وتطوع في الجيش الفرنسي, ولما رجع إلى المطوية نصبوه على رأس مشيختها وكلفوه في طليعة عمله بإحصاء الشبان الصالحين للخدمة العسكرية لتجنيدهم في الجيش الفرنسي, ثم ذهب إلى تونس لإحصاء الشبان المطويين المقيمين بها, ونظرا للخطر المحدق بشباب القرية عزم المجاهدون على الاقتصاص من هذا الخائن فاستقر رأيهم على حتفه وإراحة المواطنين من شره أثناء اجتماع سايروه في كنف السرية. ونظرا لتردد الخائن كثيرا على قرية غنوش متنقلا على دابة اعترض سبيله محمد بن إبراهيم بن إبراهيم صحبة اثنين في المكان المعروف بوادي المالح وبعد أن تمكن الاثنان من إحكام شد وثاقه استل محمد بن إبراهيم سكينة وذبح الخائن ولذلك أطلق عليه اسم "بوسكينة" ورغم أن القوات الإستعمارية تمكنت من القبض عليه لينال عامين سجنا فقد التزم طيلة هذه المدة بالتكتم وسلك نهجه كثيرون بالمحافظة على سر هذه الفعلة رغم ما تعرض إليه من تعذيب وإهانة.

ولنقرأ ما جادت به قريحة ابنته فاطمة حول هذه الحادثة وإبراز حالة العائلة النفسية :

الربطة طالت وتقاسيت الربطة طالـــــــــــــــت

في حبس المظلم تنسيت الربطة طــالــــــــــــــت

ولاقتني عيشة صفراء وجهها مستلبـــــــــــــــس

قالتلي يا بابا ها الرومي على من يفركــــــــــــس

يفركس على سيدك ئسيدك في الرجلة يحمــــــس

يحمس في الرجلة ويفركس وين ماشي أجلـــــــــه

اللي يحضر أجله يحصله وكان يظلي عفريــــــت

هاني ماشي انكد وفي الظهرة لقاني احمـــــــــــــد

شافني تكمد وشيعته بالعين وامشيـــــــــــــــــــــت

كيف فات ابعد وخنقتني العبرة وابكيـــــــــــــــــت

ما بين الأعياد عطشان وصايم رمضـــــــــــــــــان

جابلي شرنان وصوت بوشة كان عييـــــــــــــــــت

طوق دوخانة ومن فقري كيف الكبريــت

يا سود أنظاره وفي كبدي شعلت كبـــــاره

أمنين اوصلنا جاره عرضتني نصيب بناويــــت

غني بغرارة وعلى وجهي حتى فديـــــــــــت

محروق ومن ثمة وصلنا للســـــــوق

شفت المخلوق ودنكست عيوني وامشيت

كيف المشنوق وفي الرقبة داروله خيط

داخ الكمباس ومن ثمة وصلنا الحباس

جابلي مقياس وفي يدي قالي يواتيك

وأقفاله نحاس ضرب دز جابني في البيت

حبس المظلم ومن المغرب بقه يتماشى

نادوا مريم ترجيه تفرش له فراشه

تفرش لي فراشي وما كانش خلوني ماشي

شيئ ما طقتاشي لا فتيلة ولا ثمة زيت

بايت مهموم ولا رقدت ولا جاني نوم

ولا قدرت نقوم وطحت على جنبي اتكيت

في الثالث يوم جابو لي خبيزة بالزيت

زيتهم عجرم وما فيشي ما نطعم

غير من الهم خذيت انتيشه واتكيت

قدر واحكم وفي رأسي ماذا عديت

وجعوني الذرى اللي قعدوا همال هتايا

ففي نهار العيد وكاينهم قاعدين كبايا

لا لبسوا جديد في جرودهم قاعدين عرايا

يا كسر ذراعي يا صالح قلتش بابايا

نفتل مقلاعي وخلوني نمشي للماية

نمشي للماية ونهز الفيتوري معايا

تفرح داده تقول سعدي راجل وليت

يا سيدي العين حبيبك ما تعمل من دونه

وينهم الأحباب ووين الناس اللي يبغونا

أغدوا هراب الكل ما عادوش يجونا

في الحبس انفوك لاك شويه ولا افتفيتة

هازز مقرونه نهار الأعظم اندير لكم صيط

ما عادش انكد ومن ثمة ضربوا العرب

قالوا هزوا الكلب وجابولي سباييس امشيت

قدروا حكم وفي راسي ماذا عديت

الخائن الثاني تولى منصب مشيخة المطوية ونظرا لجوره وظلمه العلني إذ كان بلاء على قومه بقدر ما كان مخلصا لسلطة الإحتلال قرر الأهالي التخلص منه نهائيا باغتياله وتم ضبط خطة لتنفيذ العملية, حاصره مجموعة من الفدائيين وسط بطحاء البل،, ولئن انفلت من قبضة أحدهم في الوهلة الأولىليحتمي بطلع النخلة بعد أن فر صاعدا إليها فاقتفى فدائي أثره وصعد حتى أدركه وقتله بسكين "الحجامة" فهوى يتخبط في دمائه، وكالعادة لم تظفر سلطة الإحتلال بالقاتل ولم تعثر له على أثر بفضل ما اتسم به الأهالي من اتحاد واخلاص.



بقلم: البشير التيجاني الرقيقي